فصل: الحديث الرَّابِع عشر:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: البدر المنير في تخريج الأحاديث والآثار الواقعة في الشرح الكبير



.الحديث السَّادِس:

عَن جَابر بن عبد الله رَضِيَ اللَّهُ عَنْه قَالَ: سَمِعت النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول قبل مَوته: «لَا يموتن أحدكُم إِلَّا وَهُوَ يحسن الظَّن بِاللَّه- عَزَّ وَجَلَّ».
هَذَا الحَدِيث صَحِيح، رَوَاهُ مُسلم مُنْفَردا بِهِ كَذَلِك وَبِزِيَادَة: «أَنه سَمعه من النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قبل مَوته بِثَلَاث». وَفِي رِوَايَة لَهُ: «يحسن بِاللَّه الظَّن». وَفِي «ثِقَات أبي حَاتِم بن حبَان» بِإِسْنَادِهِ إِلَى خلف بن تَمِيم أَنه سَأَلَ عَلّي بن بكار المصِّيصِي عَن مَعْنَى هَذَا الحَدِيث، قَالَ: أَن لَا يَجْمَعُكَ والفجار فِي دَار وَاحِدَة. وَهُوَ كَمَا قَالَ، فيظن رَحْمَة الله ويرجوها، ويتدبر الْآيَات وَالْأَحَادِيث الْوَارِدَة فِي كرم الله- تَعَالَى- وعفوه وَرَحمته، وَمَا وعد بِهِ أهل التَّوْحِيد وَمَا ييسره لَهُم من الرَّحْمَة يَوْم الْقِيَامَة، كَمَا قَالَ تَعَالَى فِي الحَدِيث الصَّحِيح: «أَنا عِنْد ظن عَبدِي بِي».
وَهَذَا هُوَ الصَّوَاب فِي مَعْنَى الحَدِيث، وَهُوَ الَّذِي قَالَه جُمْهُور الْعلمَاء، وشذ الْخطابِيّ فَذكر مَعَه تَأْوِيلا آخر؛ أَن مَعْنَاهُ: أَحْسنُوا أَعمالكُم حَتَّى يحسن ظنكم بربكم، فَمن أحسن عمله حسن ظَنّه، وَمن سَاءَ عمله سَاءَ ظَنّه. وَهُوَ تَأْوِيل بعيد.
فَائِدَة: لهَذَا الحَدِيث طَرِيق آخر من طَرِيق أنس، ذكر فِيهِ زِيَادَة حَسَنَة فِي آخِره فِي تَرْجَمَة أبي نواس الشَّاعِر الْمَشْهُور، واسْمه: الْحسن بن هَانِئ، وَهُوَ من مشاهير حَدِيثه، مَا رَوَاهُ مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم بن كثير الصُّوفِي عَنهُ، عَن حَمَّاد بن سَلمَة، عَن ثَابت، عَن أنس قَالَ: قَالَ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم: «لَا يموتن أحدكُم إِلَّا وَهُوَ يحسن الظَّن بِاللَّه؛ فَإِن حسن الظَّن بِاللَّه ثمن الْجنَّة».

.الحديث السَّابِع:

«أنَّه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم أغمض أَبَا سَلمَة لما مَاتَ».
هَذَا الحَدِيث صَحِيح رَوَاهُ مُسلم فِي صَحِيحه مُنْفَردا بِهِ- لَا كَمَا وهم فِيهِ من وهم- من رِوَايَة أم سَلمَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْها قَالَت: «دخل رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم عَلَى أبي سَلمَة وَقد شقّ بَصَره؛ فأغمضه، ثمَّ قَالَ: إِن الرّوح إِذا قبض تبعه الْبَصَر، فَضَجَّ نَاس من أَهله فَقَالَ: لَا تدعوا عَلَى أَنفسكُم إِلَّا بِخَير، فَإِن الْمَلَائِكَة يُؤمنُونَ عَلَى مَا تَقولُونَ. ثمَّ قَالَ: اللَّهُمَّ اغْفِر لأبي سَلمَة، وارفع دَرَجَته فِي المهديين، واخلفه فِي عقبه فِي الغابرين، واغفر لنا وَله يَا رب الْعَالمين، وأفسح لَهُ فِي قَبره، وَنور لَهُ فِيهِ».
مَعْنَى «تبعه الْبَصَر»: ذهب أَو شخص نَاظرا إِلَيْهَا، وَجْهَان حَكَاهُمَا الْمُحب فِي أَحْكَامه وَقَالَ: عَلَى الثَّانِي دلّت ظواهر وَردت فِيهِ. و«الغابر»: الْبَاقِي، هَذَا هُوَ الْمَشْهُور وَالْأَكْثَر، وَقيل: يُطلق عَلَى الْمَاضِي، فَيكون من الأضداد.

.الحديث الثَّامِن:

«أنَّه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم لما توفّي سجي بِبرد حبرَة».
هَذَا الحَدِيث مُتَّفق عَلَى صِحَّته من حَدِيث عَائِشَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْها أودعهُ الشَّيْخَانِ فِي صَحِيحَيْهِمَا، وَفِي رِوَايَة: «بثَوْبٍ حبرَة». وَمَعْنى «سُجي»: غُطي، والحِبَرة- بِكَسْر الْحَاء وَفتح الْبَاء-: نوع من البرود، وَالْجمع حبر وحبرات كعنبة وعنب وعنبات، وَيُقَال: بُرد حبرَة: بِالتَّنْوِينِ عَلَى الْوَصْف، وبدونه عَلَى الْإِضَافَة، وَهُوَ ثوب يمانٍ يكون من قطن أَو كتَّان مخطط محبر، أَي: مزين، والتحبير: التزيين والتحسين. قَالَ الْمُحب فِي أَحْكَامه: وَهِي من أشرف ثِيَابهمْ، وَلَو كَانَ عِنْدهم شَيْء أشرف مِنْهَا سجي بِهِ.
فَائِدَة: أجمع الْعلمَاء عَلَى أَن سيدنَا رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم توفّي فِي شهر ربيع الأول، وَكَانَ يَوْم الِاثْنَيْنِ، وَاخْتلفُوا فِي أَي يَوْم كَانَ من الشَّهْر، فَقيل: فِي أَوله، وَقيل: فِي ثَانِيه، وَقيل: فِي ثَانِي عشره، وَقيل: فِي عاشره، قَالَ ابْن دحْيَة فِي كِتَابه مرج الْبَحْرين وَسَبقه إِلَيْهِ السُّهيْلي: وَلَا يَصح كل ذَلِك؛ لإِجْمَاع الْمُسلمين عَلَى أَن وَقْفَة عَرَفَة فِي حجَّة الْوَدَاع يَوْم الْجُمُعَة، فَدخل ذُو الْحجَّة يَوْم الْخَمِيس، فَكَانَ أول الْمحرم إِمَّا الْجُمُعَة وَإِمَّا السبت، فَإِن كَانَ يَوْم الْجُمُعَة فقد دخل صفر إِمَّا السبت وَإِمَّا الْأَحَد، وَإِن كَانَ السبت فقد كَانَ أول ربيع الْأَحَد أَو الِاثْنَيْنِ، وكيفما كَانَ الْحساب فَلم يكن الثَّانِي عشر من ربيع الأول يَوْم الِاثْنَيْنِ بِوَجْه.

.الحديث التَّاسِع:

«أَن غسل النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم تولاه عَلّي وَالْفضل بن الْعَبَّاس، وَأُسَامَة بن زيد يناول المَاء، وَالْعَبَّاس وَاقِف ثَمَّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهم».
هَذَا الحَدِيث صَحِيح، رَوَاهُ ابْن مَاجَه وَالْبَيْهَقِيّ فِي سُنَنهمَا، وَالْحَاكِم فِي مُسْتَدْركه بِإِسْنَاد صَحِيح من حَدِيث عَلّي رَضِيَ اللَّهُ عَنْه أَنه قَالَ: «غسلت النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَذَهَبت أنظر مَا يكون من الْمَيِّت، فَلم أر شَيْئا، وَكَانَ طيبا حيًّا وَمَيتًا، وَولي دَفنه وإجْنانهُ أَرْبَعَة: عَلّي وَالْعَبَّاس وَالْفضل وَصَالح مولَى رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم، ولحد لرَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم لحدًا، وَنصب عَلَيْهِ اللَّبن نصبا». قَالَ الْحَاكِم: هَذ حَدِيث صَحِيح عَلَى شَرط الشَّيْخَيْنِ وَلم يخرجَا مِنْهُ غير ذكر اللَّحْد.
قَالَ الْعقيلِيّ فِي تَارِيخه: وَرَوَى كيسَان عَن يزِيد بن بِلَال، عَن عَلّي قَالَ: «أَوْصَى رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا يغسلهُ إِلَّا عَلّي؛ فَإِن أحدا لَا يرَى عَوْرَته إِلَّا طمست عَيناهُ. قَالَ عَلّي: كَانَ أُسَامَة يناولني المَاء وَهُوَ مغمض عَيْنَيْهِ». ثمَّ قَالَ الْعقيلِيّ: قد رُوِيَ فِي غسل النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم بِإِسْنَاد أَجود من هَذَا «أَنه غسله عَلّي وَالْعَبَّاس وَالْفضل وغيرُهم» وَلَيْسَ فِيهِ أَن أحدا مِنْهُم غمض عَيْنَيْهِ. قَالَ: وَأَخْبرنِي عبد الله بن أَحْمد قَالَ: سَأَلت أبي عَن كيسَان أبي عمر، فَقَالَ: شيخ ضَعِيف.
قَالَ ابْن دحْيَة فِي كتاب التَّنْوِير: لم يخْتَلف فِي أَن الَّذين غسلوه: عَلّي وَالْفضل، وَاخْتلف فِي الْعَبَّاس وَأُسَامَة وَقثم وشقران؛ فَقيل: نعم، وَقيل: لَا، بل غسله عَلّي وَالْفضل يصب المَاء، وَقيل: أَدخل من الْأَنْصَار أَوْس بن خوَليّ، بِفَتْح الْوَاو فِيمَا ذكره الزَّمَخْشَرِيّ، وَقَبله أَبُو أَحْمد العسكري بِزِيَادَة تَشْدِيد الْيَاء، وَكَانَ الْفضل وَالْعَبَّاس يغسلانه وَأُسَامَة وَقثم يصبَّانِ المَاء، وَقيل: إِن الْعَبَّاس لم يحضر استحياء.

.الحديث العَاشِر:

«أَنه عَلَيْهِ السَّلَام غسل فِي قَمِيص».
هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ إمامنا عَن مَالك، عَن جَعْفَر بن مُحَمَّد، عَن أَبِيه «أَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم غسل فِي قَمِيص». وَرَوَاهُ ابْن مَاجَه من حَدِيث أبي مُعَاوِيَة، عَن أبي بردة، عَن عَلْقَمَة بن مرْثَد، عَن ابْن بُرَيْدَة، عَن أَبِيه قَالَ: «لما أخذُوا فِي غسل رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم ناداهم مُنَاد من الدَّاخِل:
لَا تنزعوا عَن النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَمِيصه»
. قَالَ الْبَيْهَقِيّ: وَابْن بُرَيْدَة هَذَا هُوَ سُلَيْمَان بن بُرَيْدَة قد سمي فِي طَرِيق آخر. وَرَوَاهُ الْحَاكِم فِي مُسْتَدْركه عَلَى الصَّحِيحَيْنِ من طَرِيقين عَن بُرَيْدَة وَقَالَ فِي كل مِنْهُمَا: هَذَا حَدِيث صَحِيح عَلَى شَرط الشَّيْخَيْنِ وَلم يخرجَاهُ. وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ من طَرِيق شَيْخه الْحَاكِم وَصرح فِيهِ بِأَن أَبَا بردة هُوَ بريد بن عبد الله بن أبي بردة، أحد الثِّقَات الْمخْرج لَهُم فِي الصَّحِيحَيْنِ. لَكِن قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ: إِن أَبَا بردة هَذَا هُوَ عَمْرو بن يزِيد، وَأَنه تفرد بِهِ عَن عَلْقَمَة، فَإِن كَانَ كَذَلِك فعمرو هَذَا ضَعَّفُوهُ. وَرَوَاهُ أَحْمد فِي مُسْنده من رِوَايَة ابْن إِسْحَاق، حَدثنِي حُسَيْن بن عبد الله، عَن عِكْرِمَة، عَن ابْن عَبَّاس: «أَنه أسْند رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى صَدره وَعَلِيهِ قَمِيصه، وَكَانَ الْعَبَّاس وَالْفضل وَقثم يقلّبونه مَعَ عليٍّ، وَكَانَ أُسَامَة بن زيد وَصَالح مَوْلَاهُ يصبَّانِ المَاء، وَكَانَ يغسل بِالْمَاءِ والسدر، ثمَّ كفنوه، وَحضر غسل رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم أَوْس بن خوَلي وَلم يَلِ من غسله شَيْئا». وحسين هَذَا قد تكلم فِيهِ غير وَاحِد كَمَا ستعلمه.
وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي سنَنه من حَدِيث عَائِشَة قَالَت: «لمّا أَرَادوا غسل رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالُوا: مَا نَدْرِي، أنجرده من ثِيَابه كَمَا نجرد مَوتَانا أم نغسّله وَعَلِيهِ ثِيَابه. فَلَمَّا اخْتلفُوا ألْقَى الله- تَعَالَى- عَلَيْهِم النّوم حَتَّى مَا مِنْهُم رجل إِلَّا وذقنه فِي صَدره، ثمَّ كَلمهمْ مُكَلم من نَاحيَة الْبَيْت- لَا يَدْرُونَ من هُوَ- أَن غسلوا النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم وَعَلِيهِ ثِيَابه. فَقَامُوا فغسلوا رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم وَعَلِيهِ قَمِيص، يصبون المَاء فَوق الْقَمِيص ويدلكونه بالقميص دون أَيْديهم، وَكَانَت عَائِشَة تَقول: لَو اسْتقْبلت من أَمْرِي مَا اسْتَدْبَرت مَا غسله إِلَّا نساؤه». وَفِي إِسْنَاده ابْن إِسْحَاق، وَقد صرح بِالتَّحْدِيثِ فَزَالَتْ تُهْمَة تدليسه، وَقد أخرجه الْحَاكِم كَذَلِك وَقَالَ: صَحِيح عَلَى شَرط مُسلم. ذكره فِي آخر وَفَاة رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَرَوَاهُ أَبُو حَاتِم بن حبَان فِي صَحِيحه بِنَحْوِهِ، وَفِيه العنعنة عَلَى عَادَته فِي قبُول حَدِيثه بهَا، وَفِي إِحْدَى روايتيه: «وَكَانَ الَّذِي أجلسه فِي حجره عَلّي بن أبي طَالب، أسْندهُ إِلَى صَدره، قَالَت: فَمَا رَأَى من رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم مَا يرَى من الْمَيِّت» وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ من حَدِيث سُفْيَان، عَن عبد الْملك بن جريج قَالَ: سَمِعت مُحَمَّد بن عَلّي أَبَا جَعْفَر قَالَ: «غسل النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم ثَلَاثًا بالسدر، وَغسل وَعَلِيهِ قَمِيص، وَغسل من بِئْر يُقَال لَهَا: الْغَرْس بقباء، كَانَت لسعد بن خَيْثَمَة، وَكَانَ النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم يشرب مِنْهَا، وَولي سُفْلَتَهُ عَلّي، وَالْفضل محتضنه، وَالْعَبَّاس يصب المَاء، فَجعل الْفضل يَقُول: أرحني قطعت وتيني، إِنِّي لأجد شَيْئا يترطل عليَّ».

.الحديث الحَادِي عشر:

عَن عَلّي رَضِيَ اللَّهُ عَنْه أَن النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: «لَا تبرز فخذك، وَلَا تنظر إِلَى فَخذ حيٍّ وَلَا ميت».
هَذَا الحَدِيث تقدم بَيَانه فِي شُرُوط الصَّلَاة؛ فَليُرَاجع مِنْهُ.

.الحديث الثَّانِي عشر:

أنَّه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ للواتي غسلن ابْنَته: «ابدأن بميامنها ومواضع الْوضُوء مِنْهَا».
هَذَا الحَدِيث مُتَّفق عَلَيْهِ من حَدِيث أم عَطِيَّة الْأَنْصَارِيَّة- رَضِيَ اللَّهُ عَنْها- بِلَفْظ: «ابدأن بميامنها ومواضع الْوضُوء مِنْهَا. وَهَذِه الْبِنْت هِيَ زَيْنَب- رَضِيَ اللَّهُ عَنْها» كَذَا جَاءَت مُسَمَّاة فِي رِوَايَة لمُسلم. وَوَقع فِي سنَن أبي دَاوُد أَنَّهَا أم كُلْثُوم، فِي حَدِيث لَيْسَ إِسْنَاده بِذَاكَ، وَفِيه نظر أَيْضا، نبه عَلَيْهِ الْمُنْذِرِيّ؛ فَإِن أم كُلْثُوم توفيت وَرَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم ببدر. وَأم عَطِيَّة اسْمهَا نسيبة- بِضَم النُّون وَفتحهَا.

.الحديث الثَّالِث عشر:

رُوِيَ أنَّه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: «افعلوا بميتكم مَا تَفْعَلُونَ بعروسكم».
هَذَا الحَدِيث غَرِيب، لَا أعلم من خرجه بعد الْبَحْث عَنهُ، وَذكره الْغَزالِيّ فِي وسيطه بِلَفْظ آخر: «افعلوا بموتاكم مَا تَفْعَلُونَ بأحيائكم» وَلَا يحضرني من خرج الآخر، وَقَالَ ابْن الصّلاح فِي كَلَامه عَلَى الْوَسِيط: بحثت عَنهُ فَلم أَجِدهُ ثَابتا. وَقَالَ الْحَافِظ أَبُو شامة الْمَقْدِسِي فِي كتاب السِّوَاك: وَمَا يتَعَلَّق بِهِ هَذَا الحَدِيث مَذْكُور فِي كثير من كتب الْفِقْه، وَهُوَ غير مَعْرُوف.
قلت: بل فِي الْبَيْهَقِيّ تَعْلِيقا أَنه رُوِيَ عَن عَائِشَة- رَضِيَ اللَّهُ عَنْها- أَنَّهَا قَالَت: «علام تنصون ميتكم؟» قَالَ الْبَيْهَقِيّ: أَي: تسرحون شعره. قَالَ: وَكَأَنَّهَا كرهت ذَلِك إِذا سرحه بِمشْط ضيق الْأَسْنَان.

.الحديث الرَّابِع عشر:

«أنَّه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم أَمر غاسلات ابْنَته أَن يبدأن بميامنها».
هَذَا الحَدِيث صَحِيح، كَمَا سلف قَرِيبا.

.الحديث الخَامِس عشر:

«أنَّه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لغاسلات ابْنَته: اغسلها ثَلَاثًا اَوْ خمْسا أَو سبعا».
هَذَا الحَدِيث مُتَّفق عَلَى صِحَّته أَيْضا من حَدِيث أم عَطِيَّة الْأَنْصَارِيَّة قَالَت: «دخل علينا النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم وَنحن نغسل ابْنَته، فَقَالَ:
اغسلنها ثَلَاثًا أَو خمْسا أَو أَكثر من ذَلِك، بِمَاء وَسدر، واجعلن فِي الْآخِرَة كافورًا أَو شَيْئا من كافور فَإِذا فرغتن فآذنني. فَلَمَّا فَرغْنَا آذناه، فَألْقَى إِلَيْنَا حقوه فَقَالَ: أشعرنها إِيَّاه قَالَت: ومشطناها ثَلَاثَة قُرُون»
وَفِي رِوَايَة لَهَا: «اغسلنها وترا ثَلَاثًا أَو خمْسا أَو سبعا أَو أَكثر من ذَلِك إِن رأيتن ذَلِك» وَفِي رِوَايَة: «فضفرنا شعرهَا ثَلَاثَة أَثلَاث: قرنيها وناصيتها». وَفِي رِوَايَة للْبُخَارِيّ: «وألقيناها خلفهَا»، وَفِي رِوَايَة للشَّافِعِيّ بِإِسْنَاد عَلَى شَرطهمَا: «ومشطناها ثَلَاثَة قُرُون». وَفِي رِوَايَة لِابْنِ حبَان فِي صَحِيحه: «و اجعلن لَهَا ثَلَاثَة قُرُون». وَهَذِه الرِّوَايَة وَالَّتِي قبلهَا ترد قَول القَاضِي عِيَاض وَمن مَعَه أَن ذَلِك من فعل أم عَطِيَّة، وَترْجم عَلَيْهِ ابْن حبَان ذكر الْبَيَان بِأَن أم عَطِيَّة إِنَّمَا مشطت قرنها بِأَمْر الْمُصْطَفَى لَا من تِلْقَاء نَفسهَا.
فَائِدَة: مَعْنَى «إِن رأيتن ذَلِك»: إِن احتجتن للزِّيَادَة.
والحقو- بِفَتْح الْحَاء وَكسرهَا- الْإِزَار. قَالَه الْخطابِيّ. قَالَ الْهَرَوِيّ: الأَصْل فِي الحقو: معقد الْإِزَار، ثمَّ قيل للإزار: حقو؛ لِأَنَّهُ يشد عَلَى الحقو.
ومعني «أشعرنها إِيَّاه»: اجعلنه مِمَّا يَلِي جَسدهَا.

.الحَدِيث السَّادِس عشر:

«أنَّه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لأم عَطِيَّة- وَكَانَت من غاسلات ابْنَته-: واجعلن فِي الْأَخِيرَة كافورًا».
هَذَا الحَدِيث صَحِيح كَمَا سقناه أَيْضا بِلَفْظِهِ.

.الحَدِيث السَّابِع عشر:

رُوِيَ أنَّه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لعَائِشَة: «لَو مت قبلي لغسلتك وكفنتك».
هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ الْأَئِمَّة: أَحْمد، والدارمي، وَابْن مَاجَه، وَالدَّارَقُطْنِيّ، وَالْبَيْهَقِيّ، من رِوَايَة عَائِشَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْها قَالَت: «رَجَعَ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم من البقيع، وَأَنا أجد صداعًا فِي رَأْسِي وَأَقُول: وارأساه! فَقَالَ: بل أَنا يَا عَائِشَة وارأساه. ثمَّ قَالَ: مَا ضرك لَو مت قبلي فَقُمْت عَلَيْك فغسلتك وكفنتك، وَصليت عَلَيْك ودفنتك. قلت: لكَأَنِّي بك وَالله لَو فعلت ذَلِك، لقد رجعت إِلَى بَيْتِي فأعرست فِيهِ بِبَعْض نِسَائِك. فَتَبَسَّمَ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم، ثمَّ بَدَأَ فِي وَجَعه الَّذِي مَاتَ فِيهِ». وَفِي سَنَده عنعنة ابْن إِسْحَاق، قَالَ الْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه فِي بَاب تَحْرِيم قَتْل مَا لَهُ روح: الْحفاظ يتوقون مَا ينْفَرد بِهِ.
قلت: وَأما ابْن حبَان فَإِنَّهُ أخرجه فِي صَحِيحه بعنعنته عَلَى عَادَته فِي الِاحْتِجَاج بِهِ مُطلقًا، وَذكره فِي ثقاته، وَلم ينْفَرد بِهِ ابْن إِسْحَاق، بل تَابعه عَلَيْهِ صَالح بن كيسَان، كَمَا أخرجه الإِمَام أَحْمد وَالنَّسَائِيّ فِي سنَنه الْكُبْرَى فِي رِوَايَة حَمْزَة فِي بَاب: بَدْء علته عَلَيْهِ السَّلَام، قبل الْأَيْمَان وَالنُّذُور، وَلَفظه فِيهَا: «فهيأتك، ودفنتك...» الحَدِيث. وَصَالح هَذَا هُوَ الإِمَام الثِّقَة من غير ريب، وَقَالَ ابْن الْجَوْزِيّ فِي تَحْقِيقه: لم يقل: «غسلتك» إِلَّا ابْن إِسْحَاق، ثمَّ أجَاب عَمَّن طعن فِيهِ. وَرَوَاهُ البُخَارِيّ بِلَفْظ: «قلت: وارأساه. فَقَالَ: ذَلِك لَو كَانَ وَأَنا حَيّ؛ فأستغفر لَك وأدعو لَك».
تَنْبِيهَانِ:
أَحدهمَا: وَقع فِي الرَّافِعِيّ والْمُهَذّب: «لغسلتك» بِاللَّامِ، وَالَّذِي فِي كتب الحَدِيث بِالْفَاءِ.
ثَانِيهمَا: «البقيع» بِالْبَاء الْمُوَحدَة فِي أَوله، وَهُوَ بَقِيع الْغَرْقَد: مدفن أهل الْمَدِينَة. و«مت»: بِضَم الْمِيم وَكسرهَا.

.الحديث الثَّامِن عشر:

«أَن رجلا كَانَ مَعَ النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم، فوقصته نَاقَته وَهُوَ محرم فَمَاتَ، فَقَالَ النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم: اغسلوه بِمَاء وَسدر، وكفنوه فِي ثوبيه، وَلَا تمسوه بِطيب، وَلَا تخمروا رَأسه، فَإِنَّهُ يبْعَث يَوْم الْقِيَامَة ملبيًا».
هَذَا الحَدِيث مُتَّفق عَلَى صِحَّته، أخرجه الشَّيْخَانِ من حَدِيث ابْن عَبَّاس رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما قَالَ: «بَيْنَمَا رجل وَاقِف مَعَ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم بِعَرَفَة، إِذْ وَقع من رَاحِلَته، فأقصعته- أَو قَالَ: فأوقصته- فَقَالَ النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم: اغسلوه بِمَاء وَسدر، وكفنوه فِي ثَوْبَيْنِ، وَلَا تحنطوه، وَلَا تخمروا رَأسه؛ فَإِن الله يَبْعَثهُ يَوْم الْقِيَامَة ملبيًا». وَفِي لفظ لَهما: «ملبدًا» وَفِي لفظ لَهما: «وَلَا تمسُّوه طيبا» وَفِي لفظ لَهما: «وكفنوه فِي ثوبيه» وَفِي لفظ لمُسلم وَالنَّسَائِيّ وَابْن حبَان: «وَلَا تخمروا وَجهه وَلَا رَأسه». قَالَ الْبَيْهَقِيّ: ذكر الْوَجْه وهم من بعض رُوَاته فِي الْإِسْنَاد، والمتن جَمِيعًا والصَّحِيح: «لَا تغطوا رَأسه». كَذَا أخرجه البُخَارِيّ، وَذكر الْوَجْه فِيهِ غَرِيب. وللنسائي: «اغسلوا الْمحرم فِي ثوبيه اللَّذين أحرم فيهمَا، واغسلوه فيهمَا بِمَاء وَسدر، وكفنوه فِي ثوبيه، وَلَا تمسوه بِطيب، وَلَا تخمروا رَأسه؛ فَإِنَّهُ يبْعَث يَوْم الْقِيَامَة ملبيًا».

.الحديث التَّاسِع عشر:

أنَّه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: «خير ثيابكم الْبيَاض، فاكسوها أحياءكم، وكفنوا فِيهَا مَوْتَاكُم».
هَذَا الحَدِيث سلف الْكَلَام عَلَيْهِ فِي كتاب الْجُمُعَة وَاضحا.

.الحديث العشْرُونَ:

«أنَّه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم كفن فِي ثَلَاثَة أَثوَاب سحُولِيَّة من كُرْسُف بيض، لَيْسَ فِيهَا قَمِيص وَلَا عِمَامَة».
هَذَا الحَدِيث مُتَّفق عَلَى صِحَّته، أخرجه الشَّيْخَانِ من حَدِيث عَائِشَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْها بِاللَّفْظِ الْمَذْكُور، زَاد مُسلم: «أما الْحلَّة فَإِنَّمَا يشْتَبه عَلَى النَّاس فِيهَا، إِنَّمَا اشْتريت لَهُ ليكفن فِيهَا، فَتركت وكفن فِي ثَلَاثَة أَثوَاب بيض سحُولِيَّة، فَأَخذهَا عبد الله بن أبي بكر فَقَالَ: لأحبسنها حَتَّى أكفن فِيهَا نَفسِي ثمَّ قَالَ: وَالله لَو رضيها الله- عَزَّ وَجَلَّ- لنَبيه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم لكفنه فِيهَا فَبَاعَهَا وَتصدق بِثمنِهَا». وَفِي رِوَايَة لَهُ: «أدرج رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي حلَّة يَمَانِية كَانَت لعبد الله بن أبي بكر، ثمَّ نزعت عَنهُ وكفن فِي ثَلَاثَة أَثوَاب سحُولِيَّة يَمَانِية لَيْسَ فِيهَا عِمَامَة وَلَا قَمِيص». قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ فِي علله: وَفِي رِوَايَة لَيست بمحفوظة فِي هَذَا الحَدِيث: «وَنصب عَلَيْهِ اللَّبن». وَاعْلَم أَنه ورد فِي كفن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم رِوَايَات مُخْتَلفَة وَهَذِه أَصَحهَا:
فَمِنْهَا: عَن عَائِشَة: «كفن عَلَيْهِ السَّلَام فِي ثَلَاثَة أَثوَاب، أَحدهَا برد أَحْمَر». وَهُوَ مُخَالف لما فِي الصَّحِيح كَمَا سقناه آنِفا، مَعَ أَن فِي سَنَده عبد الله بن بشر بن نَبهَان الرقي، وَقد اخْتلف فِي الِاحْتِجَاج بِهِ، قَالَ الدَّارمِيّ: لَيْسَ بِذَاكَ. وَوَثَّقَهُ ابْن معِين، وَذكره ابْن حبَان فِي الضُّعَفَاء والثِّقَات، وَقَالَ ابْن عدي: أَحَادِيثه عِنْدِي مُسْتَقِيمَة. وَقَالَ أَبُو زرْعَة: لَا بَأْس بِهِ.
وَمِنْهَا: عَن أبي هُرَيْرَة: «أَنه عَلَيْهِ السَّلَام لما كفن زر عَلَيْهِ قَمِيصه». وَهُوَ حَدِيث مُنكر؛ رَوَاهُ أَحْمد بن عبيد بن نَاصح، عَن الْأَصْمَعِي، عَن مُحَمَّد بن عون عَنهُ بِهِ، وَأحمد هَذَا لَيْسَ بِحجَّة، والأصمعي فِيهِ مقَال، قَالَ أَبُو دَاوُد: صَدُوق. وَقَالَ ابْن معِين: لم يكن مِمَّن يكذب. وَقَالَ الْأَزْدِيّ: ضَعِيف. وسَاق لَهُ هَذَا الحَدِيث.
وَمِنْهَا: عَن ابْن عَبَّاس: «أَنه عَلَيْهِ السَّلَام كفن فِي قطيفة حَمْرَاء». وَهُوَ بَاطِل، رَوَاهُ ابْن عدي، وَكَأن الرَّاوِي تصحف عَلَيْهِ «دُفن» ب «كُفِّن»، وَفِي سَنَده مُحَمَّد بن مُصعب القرقساني، وَهُوَ مُخْتَلف فِي ضعفه، وقبِلَهُ الإِمَام أَحْمد.
وَمِنْهَا: عَن أبي إِسْحَاق قَالَ: «سَأَلت آل مُحَمَّد وَفِيهِمْ ابْن نَوْفَل: فِي أَي شَيْء كفن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم؟ فَقَالُوا: فِي حلَّة حَمْرَاء، لَيْسَ فِيهَا قَمِيص، وَجعل تَحت لحده سحق قطيفة كَانَت لَهُم». رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ فِي أكبر معاجمه عَن مُحَمَّد بن عبد الله الْحَضْرَمِيّ، نَا أَبُو كريب، نَا يَحْيَى بن آدم، عَن زُهَيْر بن مُعَاوِيَة، عَن أبي إِسْحَاق بِهِ، وَهَذَا إِسْنَاد جيد. وَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ أَيْضا من حَدِيث عبيد الله بن مُوسَى، ثَنَا إِسْرَائِيل، عَن أبي إِسْحَاق قَالَ: «أتيت حَلقَة بني عبد الْمطلب فَسَأَلت أَشْيَاخهم: فِي كم كفن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم؟ قَالُوا: فِي ثَوْبَيْنِ أحمرين، لَيْسَ فيهمَا قَمِيص». وَهَذَا الْإِسْنَاد جيد أَيْضا، لَكِن عبيد الله بن مُوسَى الْعَبْسِي كرهه بعض الْحفاظ لفرْط تشيعه، وَإِسْرَائِيل وَثَّقَهُ أَحْمد وَالنَّاس، لَكِن ضعفه ابْن الْمَدِينِيّ، وَقَالَ يَعْقُوب بن شيبَة: فِي حَدِيثه لين.
وَمِنْهَا: عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: «كفن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي ثَلَاثَة أَثوَاب نجرانية: الْحلَّة، وقميصه الَّذِي مَاتَ فِيهِ». رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَابْن مَاجَه كَذَلِك، وَرَوَاهُ أَحْمد بِلَفْظ: «كفن فِي ثَلَاثَة أَثوَاب: فِي قَمِيصه الَّذِي مَاتَ فِيهِ، وحلة نجرانية. الْحلَّة ثَوْبَان». وَهُوَ حَدِيث ضَعِيف؛ لأجل يزِيد بن أبي زِيَاد الْمَذْكُور فِي إِسْنَاده فَإِنَّهُ تفرد بِهِ، وَلَا يحْتَج بِهِ لضَعْفه، لاسيما وَقد خَالف رِوَايَة الثِّقَات فِيهَا وَحَدِيث عَائِشَة الَّتِي نفت الْقَمِيص عَنهُ، وَلَو صَحَّ فتأويله مَا سلف عَن عَائِشَة أَنَّهَا اشترت الْحلَّة لَهُ فَلم يُكفن فِيهَا، قَالَ ابْن أبي صفرَة: قَول عَائِشَة: «لَيْسَ فِيهَا قَمِيص وَلَا عِمَامَة» يدل عَلَى أَن الْقَمِيص الَّذِي غسل فِيهِ النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم نزع عَنهُ حِين كفن؛ لِأَنَّهُ إِنَّمَا قيل: «لَا تنزعوا الْقَمِيص»- أَي: فِي حَدِيث بُرَيْدَة السالف فِي الحَدِيث الْعَاشِر- ليستره وَلَا يكْشف جسده، فَلَمَّا ستر بالكفن استغني عَن الْقَمِيص، وَلَو لم ينْزع الْقَمِيص حِين كفن لخرج عَن حد الْوتر الَّذِي أَمر بِهِ عَلَيْهِ السَّلَام، إشعارًا للتوحيد، وَكَانَت تكون أَرْبَعَة بِالثَّوْبِ المبلول، ويستبشع أَن يُكفن عَلَى قَمِيص مبلول. وَهُوَ كَمَا قَالَ، وَلِأَن فِيهِ إفسادًا للأكفان. وَقَالَ الْبَيْهَقِيّ فِي خلافياته: هَذَا الحَدِيث لَا يَصح لأمور: مِنْهَا: ضعف يزِيد. وَمِنْهَا: أَن عَائِشَة أعلم بذلك.
وَمِنْهَا: أَنَّهَا قد أخْبرت عَن سَبَب اشْتِبَاه ذَلِك- كَمَا تقدم- قَالَ الْحَاكِم: وَكَيف يجوز أَن يَصح مثل هَذَا الحَدِيث وَقد تَوَاتَرَتْ الْأَخْبَار عَن عليٍّ وَابْن عَبَّاس وَابْن عمر وَجَابِر وَعبد الله بن مُغفل وَعَائِشَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهم فِي تكفين النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي ثَلَاثَة أَثوَاب بيض لَيْسَ فِيهَا قَمِيص وَلَا عِمَامَة.
وَمِنْهَا: عَن ابْن عَبَّاس: «أَنه عَلَيْهِ السَّلَام كفن فِي ثَوْبَيْنِ أبيضين، وَفِي برد أَحْمَر». رَوَاهُ أَحْمد عَن الْحجَّاج، حَدثنِي الحكم، عَن مقسم، عَن ابْن عَبَّاس بِهِ، وَالْحجاج هُوَ ابْن أَرْطَاة، وَقد سلف حَاله، وَالْحكم لم يسمع من مقسم إِلَّا أَرْبَعَة أَحَادِيث.
وَمِنْهَا: عَن الْفضل بن عَبَّاس: «أَنه عَلَيْهِ السَّلَام كفن فِي ثَوْبَيْنِ سَحُولِيَّيْنِ». رَوَاهُ ابْن حبَان فِي صَحِيحه من حَدِيث يَعْقُوب بن عَطاء، عَن أَبِيه، عَن ابْن عَبَّاس، عَن الْفضل بن عَبَّاس وَيَعْقُوب هَذَا ضَعَّفُوهُ.
وَمِنْهَا: عَن أبي هُرَيْرَة: «أَنه عَلَيْهِ السَّلَام كفن فِي ثوب نجراني وريطتين». رَوَاهُ ابْن حبَان فِي صَحِيحه.
وَمِنْهَا: عَن عليٍّ: «أَنه عَلَيْهِ السَّلَام كفن فِي سَبْعَة أَثوَاب». رَوَاهُ الْبَزَّار من حَدِيث حَمَّاد بن سَلمَة، عَن ابْن عقيل، عَن مُحَمَّد ابْن الْحَنَفِيَّة، عَن عليٍّ بِهِ، ثمَّ قَالَ: لَا نعلم أحدا تَابع ابْن عقيل عَلَى رِوَايَته هَذِه، وَلَا نعلم أحدا رَوَاهُ عَن ابْن عقيل بِهَذَا الْإِسْنَاد إِلَّا حَمَّاد، وَأعله ابْن طَاهِر فِي تَذكرته بِابْن عقيل، وَهُوَ حَدِيث مُنكر، وَإِن أخرجه أَحْمد فِي مُسْنده وَلما أخرجه التِّرْمِذِيّ من حَدِيث عَائِشَة وَصَححهُ، قَالَ: قد رُوِيَ فِي كفن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم رِوَايَات مُخْتَلفَة، وَحَدِيث عَائِشَة أصح الْأَحَادِيث الَّتِي رويت فِي كَفنه.

.الحديث الحَادِي بعد الْعشْرين:

«أَن مُصعب بن عُمَيْر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه قتل يَوْم أحد، فَلم يخلف إِلَّا نمرة، فَكَانَ إِذا غطي بهَا رَأسه بَدَت رِجْلَاهُ، وَإِذا غطي بهَا رِجْلَاهُ بدا رَأسه، فَقَالَ النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم: غطوا بهَا رَأسه وَاجْعَلُوا عَلَى رجلَيْهِ من الْإِذْخر».
هَذَا الحَدِيث مُتَّفق عَلَى صِحَّته، أخرجه الشَّيْخَانِ من حَدِيث خباب بن الْأَرَت رَضِيَ اللَّهُ عَنْه قَالَ: «هاجرنا مَعَ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم نلتمس وَجه الله- عَزَّ وَجَلَّ- فَوَقع أجرنا عَلَى الله؛ فمنا من مَاتَ لم يَأْكُل من أجره شَيْئا، مِنْهُم مُصعب بن عُمَيْر قتل يَوْم أحد، فَلم نجد مَا نكفنه بِهِ إِلَّا بردة، إِذا غطينا بهَا رَأسه خرجت رِجْلَاهُ، وَإِذا غطينا بهَا رجلَيْهِ خرج رَأسه، فَأمرنَا رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن نغطي رَأسه ونجعل عَلَى رجلَيْهِ من الْإِذْخر». وَفِي رِوَايَة لمُسلم: «فَلم يُوجد لَهُ شَيْء يُكفن فِيهِ إِلَّا نمرة...» وَالْبَاقِي مثله.
فَائِدَة: الْإِذْخر- بِكَسْر الْهمزَة وَالْخَاء-: نبت طيب الرَّائِحَة. والنَّمِرة- بِفَتْح النُّون وَكسر الْمِيم-: ضرب من الأكسية، وَقيل: شملة مخططة من صوف، وَقيل: فِيهَا أَمْثَال الْأَهِلّة.
وَمصْعَب بن عُمَيْر من فضلاء الصَّحَابَة والسابقين إِلَى الْإِسْلَام. وَيَوْم أحد كَانَ فِي شَوَّال سنة ثَلَاث، قَالَ النَّوَوِيّ فِي الرَّوْضَة: وَكَانَت يَوْم السبت سَابِع شَوَّال. وَخَالف فِي التَّهْذِيب وشرح الْمُهَذّب فَقَالَ: كَانَت يَوْم السبت لإحدى عشرَة خلت مِنْهُ، وسنتعرض لذَلِك فِي كتاب السّير؛ حَيْثُ تعرض الرَّافِعِيّ لَهُ- إِن شَاءَ الله.